الأربعاء، 30 مايو 2012

"مات فرعون ولم تمت الفرعنة" (دراسة في ثورتي سبتمبر واكتوبر)


دراسة لأهداف ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر وما حققتاه وكيف انفصل الحصان عن العربة!
الثورة اليمنية.. خرج القطار عن السكة

نشرت في سبتمبر 2010م قبل الثورة الشبابية
للثورة اليمنية ستة أهداف عظيمة صيغت، باستعجال، من أهداف ثورة يوليو بمصر. لست مهتماً كثيراً بطريقة صياغة أهداف الثورة لغوياً. اللغة آخر اهتماماتي. إن ما ينبغي إخضاعه للقراءة النقدية الجادة هو مضامين أهداف الثورة اليمنية الستة في ضوء عقودها الخمسة. إن أية ثورة ليست قائمة بذاتها، على عظمتها، وإنما بما حققته على أرض الواقع.

محمد عبده العبسي
اليوم، أما وقد مضى نصف قرن على ثورة الـ26 سبتمبر و14 أكتوبر ينبغي على أي يمني أن يسأل نفسه: لماذا قامت الثورة وعلى أي أوضاع ثارت؟ ماذا الذي وعدت به الثورة فأوفت وما الذي نكثت عنه؟ من خان الثورة العظيمة ومن صانها؟ بل إن السؤال الأهم: هل النظام القائم الفاقد للمشروعية وريث الثورة، بأهدافها الستة، وممثل الجمهورية اليمنية الحديثة؟   

الهدف الأول:

أ- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما: أُسقطت الإمامة والاستعمار وقامت مخلفاتهما!
الامام احمد
أما الشق الأول "التحرر من الاستبداد والاستعمار" فنعم. وأما تكملتها "مخلفاتهما" فلا. إن النظام الجمهوري القائم هو نظام مخلفات بامتياز. لقد سقط نظام حكم الإمام ولكن لم تسقط أدوات حكمه معه. بعبارة أخرى: كانت القوى التقليدية، وقت سقوط نظام الإمام، أكثر جاهزيةً وقدرة على الحركة من الضباط الأحرار فقطفت الثمرة وأعادت إنتاج نفسها، ونفوذها، في صيغ جمهورية ليس لها من الجمهورية إلا الاسم. في الجنوب تم الجلاء البريطاني فكثر الورثة وطالبي القسمة وإذا بالرفاق ينكبون على إقصاء، وقتال، بعض.
إن العنف المصاحب للأنظمة الثورية عادةً يعيق الحكومات المتعاقبة عن هدف بناء الدولة ويفصل، مع الوقت، العربة عن الحصان: الثورة عن أهدافها، والمواطن عن وطنه المنشود. إن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن ورثة 26 سبتمبر، ومن تلاهم، تقاتلوا فيما بينهم البين أكثر، أو حتى أقل، مما قاتلوا الإمام. المهم أن قتالاً قد كان. في الجنوب أكثر. لقد تقاتل ورثة 14 أكتوبر وأوشك بعضهم على إفناء بعض أكثر، أو أقل، مما كان منهم في قتال الجيش البريطاني. وبالكاد دارت العجلة.
علي عبدالمغني
زاد الطين بلةً أن عاد، في الشمال، مع المصالحة الوطنية رموز ما قبل ثورة 26 سبتمبر إلى المشاركة الفعلية في السلطة. جنوباً أيضاً عاد رموز نظام ما قبل ثورة 14 أكتوبر إلى المشاركة الفعلية في السلطة إنما بعد زمن طويل. وما عودة الملكيين وأذرعهم القبلية كعودة السلاطين. كلا. فلا الثانية كانت لوجه الله ولا الأولى، وإن وسعت نطاق المشاركة، حالت دون إطلاق العنان للقوى التقليدية حتى أن بعض مشايخ بكيل ممن شملتهم المصالحة فاق نفوذه اليوم، فيما يفترض أنه عهد جمهوري، نفوذه في العهد الإمامي ذاته. سيقول قائل: مشائخ حاشد أكثر.
ينبغي الإقرار بحقيقتين: الأولى أن النظام الجمهوري القائم، في الشمال والجنوب، وقتها وبعدها لم يكن جمهورياً خالصاً حتى يقال إنه فقد معدنه الثوري بعودة أسر، مالكة أو نافذة، من حقبة ما قبل الثورتين ومشاركتها في السلطة. لم تعد أسرة حميد الدين أصلاً وإنما عادت إلى السلطة، بل وأُعيدت، بعض أكثر القوى المشيخية نفوذاً قبل الثورة.. وبعدها أيضاً!
الثانية: أن عودة رموز ما قبل الثورتين كأشخاص عمل محمود بالتأكيد. أقلها لأنهم يمنيون وهذه بلادهم. المذموم هو إعادة إنتاج مراكز قوى الحكم الإمامي ثانية في الحكم الجمهوري متنكرين بأية "باروكة" ثورية. وهذا الحاصل اليوم إلى حد كبير: لقد أُعيدت بعض مراكز قوى نظامي الإمامة والاستعمار إلى الحكم وأعادت إنتاج نفسها بنفسها فتعاظم، جمهورياً، نفوذها أكثر. ولما تزل.
الأسباب كثيرة: إن ألغام المملكة المزروعة في اليمن، حسب تعبير الملك فيصل، وحصار صنعاء دفعا النظام الجمهوري في الشمال إلى المصالحة الوطنية. تمثيل الملكيين في السلطة، بأذرعهم القبلية، كان إيذاناً بفتح صفحة جديدة بيد وتمزيقاً لصفحات أخرى بيد. كان إعادة إنتاج للقوى التقليدية بكلا اليدين!
عودة رموز ما قبل ثورة أكتوبر، نفوذاً لا أشخاصاً، لها أسباب أخرى ليست المصالحة الوطنية إحداها: لا شعاراً، كما في الشمال، ولا مضموناً. فمع الوحدة (يحلو للبعض تسميتها الثورة الثالثة) وبسبب ظروف حرب 94م، أو إعداداً لها، قام نظام صنعاء باستقدام أمراء سلطنات الجنوب من الخارج. تلك طريقته المفضلة: إنه الـ"كرت" المناسب.
لقد أعاد نظام علي عبدالله صالح، مع الوحدة، أمراء سلطنات ما قبل ثورة 14 أكتوبر لمواجهة شريك الوحدة، الاشتراكي، الذي ورث ثورة أكتوبر ومثّلها في 90م وكان ذاته سبباً في تقويض السلطنات المعاد إنتاجها جمهورياً! لم يكن الحزب الاشتراكي ليفكر في استجلاب أمراء نظام الإمامة، من الخارج، على طريقة شريكه في دولة الوحدة من أجل ضرب الخصم الجديد بالخصم القديم، والثوري بالملكي. وأحيانا يصدق قول زهير: "ومن لا يظلم الناس يُظلم!"
والآن: فلنحصي الخسائر! لقد سقط نظام الحكم الإمامي، في الشمال، فسيطرت قوى تقليدية مشيخية وأعادت إنتاج نفوذها في صيغ جمهورية تتوالد حتى اليوم. وفي الجنوب انفصل الحصان عن العربة أيضاً وحدثت نكسات كثيرة آخرها: عودة الاقطاعيات ما قبل ثورية، مع الوحدة، وقيام النقيض على النقيض.
حتى على مستوى القانون العام لقد قام النقيض على النقيض: ففي الشمال لم يكن في مقدور شيخ مهما عظم نفوذه أن يأوي مطلوباً من حكومة الإمام. أما اليوم فليمدد أبا حنيفة ولا حرج! جنوباً: ماذا لو خرج الرئيس سالمين من قبره ليطمئن على قانون التأميم فقيل له إن هذه الأرض، وهي بالكيلومتر، مملوكة لشيخ أو قائد عسكري!
الشاهد هنا أن النظام الجمهوري لم يقض على الإمامة والاستعمار ومخلفاتهما. لقد قضت الأنظمة الجمهورية المتعاقبة على بعضها بعضاً ونسخت بعضها بعضا. قوانين النظام السابق مُحيت بفرض قوانين معاكسة من النظام اللاحق. ما أكثر الأمثلة على ذلك: في الشمال، وبإقصاء المشير السلال، استبدل النفوذ المصري بالنفوذ السعودي، والسادات بالهديان والمشير بالقاضي. أحداث أغسطس 1968م كانت المنعطف الأكثر تأثيراً في التاريخ السياسي اليمني حتى أنه ليمكن الجزم إن عضلات القوى التقليدية قويت وانتفخت منذ ذلك الوقت فما فوق. وما تاليه إلا امتداد لماضيه: إن تغيير اسم حديقة 13 يناير إلى حدديقة الثورة، مثلاً، وإن كان نكايةً بالحمدي وحركته وليس حباً في الثورة إلا أنه عمل قويم. فالانتساب إلى الثورة  أصح، وأقوم، من الانتساب لحركة خرجت من نسل الثورة أصلا. لكن ألم يقم النظام القائم بإطلاق تسميات من قبيل 17، أو 7، يوليو هنا وهناك وبشهوة أكبر؟ تلك العلة.
في الجنوب، وتدليلاً على عدم وضوح شكل الجمهورية وتناسخ أنظمتها، تبدلت النظم والأسماء تباعاً: في البداية، وقبل الجلاء، أُعلن عن قيام اتحاد الجنوب العربي. لم ترق التسمية ورثة 14 أكتوبر فصارت، مع قحطان، جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية. لم تدم التسمية طويلاً فصارت، مع سالمين، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. اسم آخر وهيكل جمهوري ثان. عبد الفتاح لم يغير الاسم وإنما غير المضمون فصارت الجمهورية الديمقراطية اشتراكيةً. لهذا السبب، وغيره بالتأكيد، أعلن البيض في 94 عن "جمهورية اليمن الديمقراطي" شاطباً "الشعبية" من الاسم.
وكما تنتقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء انتقلت الصفات الوراثية لنظامي الشمال والجنوب الجمهوريين إلى نظام دولة الوحدة. هذه عيّنة على فكرة التناسخ الجمهوري: كان النظام الاشتراكي، بوصفه جمهورياً، يؤمم الأراضي والعكس: النظام الحالي، وبوصفه جمهورياً أيضاً، يبددها لذم سلوك سلفه وشراءً للولاءات. بالغ ذلك في فرض سيادة القانون وبالغ هذا في خرقه. لقد قام النقيض على النقيض سياسياً أيضاً. ما يدل، إجمالا، على عدم استقرار العهد الجمهوري.
النهايات المأساوية لرؤساء اليمن، شمالاً وجنوباً، أيضاً دليل دامغ آخر على أن النظام الجمهوري القائم نظام مخلفات بامتياز. أربعة من رؤساء اليمن قُتلوا على مرأى ومسمع ومن أقرب الناس (قحطان وسالمين والحمدي والغمشي) ثلاثة نفوا وأجبروا على مغادرة البلد (السلال/ الإرياني/ ناصر). وآخر عالق بين الحقيقة والأسطورة ولا يعرف له قبر إلى اليوم (عبدالفتاح). إن هذه النهايات المتجانسة لرؤساء اليمن، وفق تعبير الزميل لطف الصراري، لهي دليل فشل وبرهان موثوق على عدم استقرار النظام السياسي للعهد الجمهوري بالإجمال: شمالاً وجنوباً. عدم استقرار النظام السياسي للجمهورية هذا أورث دولة الوحدة عاهات مستديمة. إنه، بالنتيجة، فشل عام في الثورة وأهدافها.

ب- إقامة حكم جمهوري عادل: حبر على ورق!
يحضر العدل في منظومة الحكم الرشيد على هيئة: قضاء مستقل ونزيه، فرص متساوية بين سكان المركز والأطراف، توزيع عادل للثروة والسلطة، سيادة القانون على الجميع بلا استثناء. والآن على واحدة واحدة:
-     القضاء:
لا القضاء في اليمن مستقل ولا هو أيضاً غير مستقل. يوجد قضاة مستقلون بالتأكيد لكنهم يتحركون في محيط، اجتماعي وسياسي، موجه حتى لا أصفه باللاستقلالية. وبالمجمل: لقائل أن يقول، وقوله صحيح، إن القضاء اليمني مستقل والدليل: حُكم القاضي باذيب بإخراج المعسكرات من المدن وإدانة رئيس الجمهورية وعدداً من كبار قادة الجيش. والعكس: يمكن القول إن القضاء اليمني غير مستقل والدليل: فصل القاضي باذيب نفسه من منصبه وتسريحه من الخدمة! إنه بلد النقائض.  
-     سيادة القانون على الجميع:
إن موقف القاضي عبدالرحمن الإرياني من رئيس الوزراء في عهده الفريق حسن العمري في قضية قتل مشهورة هو النسخة الجمهورية من موقف الإمام أحمد من قائد جيشه الثلايا في حادثة فلاحي الحوبان. لا أحد فوق القانون. وتطبيق العقوبة على القوي والضعيف والخاصة والعامة على حد سواء وبلا تمييز أو محاباة هو بحق أساس الحكم العادل. إن ما نفذه الإمام بقائد جيشه والقاضي الإرياني برئيس وزرائه عجزت، اليوم، السلطة الوارثة لثورتي سبتمبر وأكتوبر عن تنفيذه في القضايا الخاصة والعامة، والهيّنة والمتعسرة.
إن دولة تعجز أو تتهرب، لأي الأسباب، عن تنفيذ حكم قصاص ليست بدولة. ومن يعجز في الأولى يسهل عليه العجز في الثانية. تلك هي الحقيقة. لقد صار إسقاط هيبة القانون عادة يومية لدى نظام الحكم. أكان بحق قاتل الدكتور درهم القدسي بصفته طبيباً، أو بحق منفذ الاعتداء على الدكتور حسن مكي بصفته رجل دولة. العدالة في الظلم، لدى البعض، عدل. لكن الظلم في العدل بالتأكيد ليس عدلاً. يتساوى في هذا تنفيذ العقوبة على الأفراد أو تنفيذها على الجماعات الخارجة  عن القانون أو المخلة بالأمن العام. غير إن عدالة النظام القائم عدالة "مخصخصة" تتبدل حسب تبدل المناطق الجغرافية. في مناطق تشد، وفي مناطق تلين. حتى أنه ليُمنع في بعض مناطق اليمن إطلاق الأعيرة النارية أثناء الاحتفال بالأعراس وهذا حسن. بينما لا تكترث "الدولة" في مناطق أخرى عند استخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة! للأمر علاقة بالبيئة الاجتماعية: قبلية أم مدنية. نزولاً من جبل سمارة أم طلوعاً.
وهذه عيّنة أخرى: لقد بُعثت هيبة الدولة من مرقدها في قضية "حفّار شرعب"، مثلاً، وحضرت على هيئة قوة عسكرية ضاربة لفرض سيادة القانون! وهذا حسن لو طبق على الجميع لكن هيبة الدولة تشخر وتغط في النوم في منطقة أخرى: حفارات طريق الحسينية ذمار مثلاً مقابلاً!
إن سيادة القانون وهيبة الدولة تحضر في الرقعة الجغرافية المدنية بحزم وشدة إلى درجة استخدام العسكر الرصاص الحي في تفريق مظاهرة للمطالبة بتوفير المياه في المعلا. في الرقعة الجغرافية القبلية، شمالاً وجنوباً، العكس: الدولة أعجز من إزاحة برميل قِطاع وسط الخط العام. (ليس تحريضاَ على مناطق بل نقداً لانفصام الدولة)
-     العدالة في توزيع الثروة والأرض
أيضاً جوهر النظام العادل: إن 5% فقط يملكون 95% من أراضي وعقارات الحديدة. و95% من أبناء الحديدة يملكون 5%. تلك والله قسمة ضيزى. إن من يقرأ تقرير اللجنة البرلمانية حول نهب أراضي الحديدة ويقرأ، في نفس الوقت، الهدف الأول من أهداف الثورة اليمنية كان ليقول: أحدهما بالضرورة مزور!
-     الفرص المتساوية بين المحافظات
قياساً بمقومات كل محافظة وسكانها: ينبغي السؤال: هل فرص شبوة كتعز، وصنعاء كالمكلا، ولحج كإب، والضالع كالبيضاء، وسيئون كعمران؟ كم عدد الجامعات، المدارس، المستشفيات قياساً إلى الخارطة السكانية ونسب النمو والسياحة؟ ما نسبة تمثيل كل محافظة في الحرس الجمهوري والخاص مثلاً قياساً بمقوماتها وتعداها؟ فلنسأل في غيره: هل فرص ابن حُبيش في الانضمام إلى كلية الشرطة متساوية مع فرص المنضمّين مما حول صنعاء؟ ما أسهل اتهامي بالتحريض على المناطقية ولكن ألم يتحدث، قبل اقل من عام، أعضاء مجلس النواب عن وجود "مناطقية في امتحانات القبول وانتقائية في المقابلات بخلاف توجيهات الرئيس". على أية حال لقد تم إسكاتهم بـ50 مقعد وكالعادة تم الاتفاق على "ثلثين بثلث". ثلثين لأصحاب النفوذ والوساطة وثلث، أو أقل، للمواطن العادي!
تتزاحم في رأسي الأسئلة: كم الحصص السنوية لكل محافظة من الوظائف العامة والمنح الدراسية والطبية قياساً لتعداد المحافظة ونسب التعليم والزيادة السكانية؟ الحديدة مثلاً من أكثر المحافظات الموبوءة بالفشل الكلوي. أنا على يقين أننا لو تحققنا من عدد المنح الطبية الممنوحة لمرضى الكلى لما بلغت حصة الحديدة الربع. للأمر علاقة بالقدرة على الوصول إلى أصحاب القرار ومسائل أخرى.
لنأخذ الوظيفة العامة عينةً تجنباً لما من شأنه تشتيت الفكرة: إن تصريح نائب وزير الخدمة للسياسية يوضح كم حصص بعض المحافظات من الوظائف العامة لـ2010م كما ويجيب على سؤال الأسئلة: هل هذا نظام جمهوري عادل أم لا؟

م
وظائف عموم الجمهورية
13.000 درجة وظيفية
1
حصة صنعاء والأمانة
7000 درجة وظيفية
2
بقية المحافظات
6000 درجة وظيفية
3
تعز
535 درجة وظيفية
4
ذمار
361 درجة وظيفية

الأسئلة المتعلقة بالحكم العادل، على أية حال، كثيرة: كم حصص كل محافظة من المشاريع الخدمية والإنمائية كقطاعات ومخصصات مالية؟ هل تخضع المحاصصة لدراسات التنمية المستدامة أم لتقلب مزاج السلطة المركزية؟ الطامة الكبرى، كما تزعم المعارضة، أن لأصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية علاقة بزيادة، أو نقصان، المشاريع المنفذة في محافظة أو مديرية ما. عدا ذلك يقوم المسئولون الحكوميون، في حالات عديدة، بصرف المشاريع عن المناطق الأكثر استحقاقاً لها ويوجهونها إلى المناطق التي ينتمون إليها. خليجي 20 أقيم بين محافظتي عدن وأبين: أما كانت لحج أقرب؟ بالتأكيد لحج أقرب جغرافياً لكن أبين أقرب من القرار السياسي في البلد.
وجدت لهذه الأسئلة، أو بعضها، أجوبة شافية في التقرير رقم (75) المرفوع من مجلس الشورى، في تاريخ 16/6/2008م، لرئيس الجمهورية في موضوع التنمية والتخفيف من الفقر. هذه بعض أرقام التقرير مُعالجةً في أشكال بصرية.


وللعام 2008م



ج- إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات: (ص) محل (س)
أزالت الثورة طبقات وأوجدت طبقات. أضعفت الطبقية السلالية بالتأكيد ولكن لتقوّي الطبقية الجغرافية. سحبت امتيازات السلطة والثروة من فئات آفلة وكرستها لدى أخرى صاعدة. تبديل مواقع ليس إلا: (ص) محل (س) وهذا بدل ذاك. وفي الحالتين كانت السلطة والثروة تتكاثر أكثر كلما ازدادت قرابتها من الحاكم: ملكياً كان أم جمهورياً. لا حاجة، أو لا وقت لدي، للتفصيل. ويمكن عوضاً عن ذلك استعادة قول البردوني: "استبدلوا إمام بأئمة". وكفى!

الهدف الثاني:
                 
بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها: تقصدون هذا؟

صورة اللواء المستسلم 105 أثناء نزوله من الجبل في حرب صعدة الأخيرة.

اللقطة مهينة. أفراد من القوات المسلحة يجلسون على الإسفلت كما لو أنهم في انتظار أن يقول المتكلم على رؤوسهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". وقد قيلت وإن لم تقل. وسُرّح الجنود بالفعل إلى قراهم ومنازلهم بعد محاضرة عصماء.
الواقعة مشهودة. لقد استسلم، في بداية الحرب الأخيرة، أحد ألوية الجيش 105 وأُسقط في يد الحوثي. الحرب سيئة بالتأكيد وأسوأ منها آثارها النفسية. وكم آلمني أن أرى "مرمطة" الجيش تبث على الهواء مباشرة في تسجيل مصور على قناتي الجزيرة والعالم الفضائيتين.
في ذلك اليوم، بالتحديد، وبينما كنت أشاهد الجنود الأسرى وهم ينزلون، زمراً وفرادى، من الجبل سيراً على الأقدام تذكرت بشكل عفوي ثاني أهداف ثورة الـ26 من سبتمبر: "بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها" فقلتُ في نفسي: أتقصدون هذا؟
لا يفهمنّ كلامي غلط: لا أشمت بالجيش ولا أحرّض ضد الحوثي. لا أتقصد الإضرار بمعنويات الجيش ومعاذ الله أن أكون مسعّر حرب. ولكن هل من المهين أن تقول لمصاب بالملايا أنه مريض بالملاريا. أعرف أن المسألة حساسة ولكن ينبغي على أحدهم أن يقول إن حروب صعدة قد أهانت الجيش اليمني، أيما إهانة، ودمرت معنوياته. إن إعادة إعمار صعدة ينبغي أن تتزامن مع إعادة إعمار النفوس: المدنية والعسكرية، الحوثية والقبلية، فكلنا أبناء بلد واحد ومشكلتنا أننا لا نحسن العيش فيه فقط.
لا يجب قياس الأمور هكذا: إن نقد ضعف الجيش وعدم جاهزية المؤسسة العسكرية لا يجب أن يُفهم على انه بغرض الإشادة بالحوثي وقوته أو العكس: التحريض المبطن ضده. أعرف أن من السهل على الذين يُحرفون الكلم من مواضعه اعتبار ما كتبته سخريةً من المؤسسة العسكرية وإضراراً بمعنويات الجيش ولكن ما يجب أن يعرفه "حراس مرمى الثوابت" أن من حقي كيمني أن أطمئن على جيش يقع على عاتقه حماية كل شبر من هذا البلد.
لنقل الأمور بوضوح وبساطة أكثر. اليوم وبعد مرور نصف قرن على الثورة اليمنية أليس من حقي كيمني أن أقف ملياً أمام ثاني أهداف الثورة لأسأل: هل تحقق أم لا؟ أعرف سبب حساسية الموضوع ولكني أدفعها بحساسية مماثلة. إن الجيش اليمني لم يخض أية حرب خارجية أصلاً. حرب صيف 94م لها ظروف أخرى. وبالتالي فإن الإجابة الوحيدة على هذا السؤال لا يمكن استخلاصها إلا من حروب صعدة ونتائجها.
والإجابة واضحة.

الهدف الثالث:

رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعيا وسياسياً وثقافيا: نعم ولا
لا أشك مقدار مثقال ذرة أن مستوى الشعب اليمني في العهد الجمهوري أفضل منه في العهد الإمامي اجتماعيا وسياسياً وثقافيا أما اقتصادياً فنعم ولا. أعرف أن أشياء عديدة تغيرت وجرت في النهر مياه جديدة. بعضها بحكم الزمن وعصر السرعة. بعضها بحكم البنية السياسية والاجتماعية، غير السلالية، لنظام الجمهورية. وعوامل أخرى أكثر ارتباطاً بالبيئة اليمنية وخصوصياتها.
أؤمن أن مهمة الصحفي كمهمة الطبيب بالضبط وبالتالي سأتناول الهدف الثالث من الثورة، أعترف مسبقاً، بطريقة غير حيادية. أركز على المُحبطات وأهمل المنجزات. إن مهمتي تقتصر على تشخيص العضو المريض في الجمهورية وليس المعافى، والخلية السقيمة من الثورة لا الصحيحة. ولدي حُجة: ليس من المهين أن تقول لمريض أنه مريض ومن المهين للغاية أن تقول لصحيح أنه صحيح! هذه هي الفكرة ببساطة.
أ‌-                رفع مستوى الشعب اقتصادياً: الله وأعلم!
أما هذه فمشكوك في تحققها حرفياً. إن مقارنة دخل الفرد اليمني في العهدين الملكي والجمهوري قياساً إلى عدد السكان والموارد الطبيعية آنذاك تؤكد ذلك. فإن كان لا بد من الإقرار بارتفاع المستوى الاقتصادي للشعب في العهد الجمهوري عن الملكي فإن حقيقة أخرى لا بد أن تقر: إن المستوى الاقتصادي لليمنيين آخذ في التدهور أكثر كلما تقدم عُمر الجمهورية.
الفقر والبطالة اليوم، كأرقام، أكثر منهما في السبعينات. في الثمانينات أكثر من التسعينات. إن المشكلات الاقتصادية، بالمجمل، في تزايد مستمر كلما تقدم عمر الجمهورية: من حكومة العيني إلى حكومة عبدالغني ومن حكومة الوحدة إلى حكومة الإرياني فباجمال ومجور. حدثت طفرات في فترات لكنها لم تستطع تغير المسار العام. إن دراسة الوضع الاقتصادي، كأرقام وإحصائيات، خلال أربعين عاماً تؤكد أن مستوى (دخل الفرد/ الأسعار/ الريال في مقابل الدولار) في تناقص مستمر بخلاف جوهر الهدف الثالث من أهداف الثورة. حتى على مستوى الأسعار والخدمات الأساسية والمؤشرات وهذه عينات:

السلعة
القمح
العام
1995
2003
2007
آخر2007
2008
2010
السعر
1800
2200
2690
5575
6500
5600

البطالة
العام
1998م
2007م
النسبة
11%
18%
حسب الإحصائيات الحكومية

الاتصالات
وجه المقارنة
قبل الوحدة
بعد الوحدة
تكلفة المكالمة بين المحافظات
ريال
7 ريال
متوسط الفاتورة الشهرية
3000 ر
6000 ر

الكهرباء
وجه المقارنة
قبل الوحدة
بعد الوحدة
سعر الكيلو بالمناطق الباردة
75 فلس
7-10 ريال
سعر الكيلو بالمناطق الحارة
50 فلس
17-20 ريال

وقت كتابة هذا الهدف لم يكن أحداً، بما فيهم كاتبه، ليتوقع أن آباراً من النفط ستكتشف مستقبلاً وحقولاً من الغاز والثروات المعدنية ستستخرج. اكتشفت الثروات الطبيعية فزادت الأوضاع الاقتصادية سوءا. هذه الأرقام والمعلومات، المعالجة في أشكال بصرية، مستقاة من تقارير حديثة للبنك الدولي صدرت في الأعوام الأخيرة.



ب‌-           رفع مستوى الشعب اجتماعياً: هذا مؤكد
أما هذه فنعم. لقد ارتفع مستوى الشعب اجتماعياً غير إن مخلفات الإمامة ما تزال باقية بالتفرقة لا الجملة. أوضح مثال على ذلك النظرة الانتقاصية لذوي البشرة السوداء وتسميتهم بـ"الأخدام". وكذا أصحاب المهن البسيطة. لا حاجة أن أقول: أحقر من الجزار من يحتقر الجزار لمهنته. والحلاق لمهنته. والقشّام لمهنته. فذاك مؤكد.

ت‌-           رفع مستوى الشعب سياسياً: وهذه تحققت
وهذه أيضاً تحققت. إن البنية السياسية أكثر البنى تطوراً في اليمن وأسرعها نموا من دون شك. وإذا كنت متيقناً من ارتفاع "مستوى الشعب سياسياً" كما نص الهدف الثالث حرفيا فالشيء الذي ينبغي التأكد منه هل ارتفع الوعي السياسي للنخبة الحاكمة بذات القدر؟ هل صار العقل السياسي جمهورياً خالصاً 100% أم أن بعض مخلفات الإمامة تظهر بين الحين والآخر؟
أحياناً، وفي بقاع عدة من العالم، تتأثر الجمهورية بالملكية أو ببعض طباعها على الأقل في الحكم وإدارة البلد. ذلك مؤكد. وفي اليمن أيضاً تأثر اللاحق ببعض طباع السابق. وكما تنتقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء انتقلت الصفات الوراثية لنظامي الإمامة والاستعمار إلى النظام الجمهوري. هذه عيّنات متفرقة، فضّلتها بصرية لا مكتوبة، على ممارسات سياسية جمهورية وحدوية من نفس الطينة الإمامية، أو في أحسن الأحوال، من مخلفاتها.










الجمهورية متأثرة بطباع الملكية

من علّم الجماعات المسلحة في الجنوب فرز الناس حسب البطاقة؟
نظام الرهائن في طبعتيه الإمامية والجمهورية!
مات الإمام ولم تمت الإمامة. مات فرعون، وفق تعبير البردوني، ولم تمت الفرعنة. لقد سقط نظام الحكم ولما تسقط بعد جملة من عاداته وشرائعه. بدليل أن نظام الرهائن لما يزل معمولاً به إلى اليوم ولكن بصيغ جمهورية. والفرق طفيف بين رهينة العهد الإمامي والجمهوري: تلك بقانون معلن والأخرى بدون. الأولى تسمى باسمها والثانية تتلبس أسماء أخرى لا غير.
كان الإمام، كأي حاكم مُوسوس، يأخذ من كل أسرة مشيخية مؤثرة أو ذات نفوذ وطموح سياسي أحد أبنائها رهينةً فتقيم، معززةً مكرمة، في القصر الملكي تحت ناظريه ورعايته. يدٌ على الزناد ويد تمسح، بحنان، على فروة الرأس. بعبارة أخرى: تشريف للابن وتحذير للأب. لن يجد الابن مكاناً بنفوذ وخبرات قصر الحاكم ولن يخرج الأب عليه، بالمقابل، أو يحاول الإطاحة به ما دام ابنه في قصر الحاكم أو بالأحرى تحت قبضته.
الزمن تغير. والفكرة الإمامية طورت، في العهد الجمهوري، وطبقت بصيغ عصرية معدلة. هذا ممكن. يختار رئيس الجمهورية، بين الحين والآخر، أحد أبناء المشايخ الأكثر تأثيراً ونفوذاً في البلد لاستبقائهم في القصر الجمهوري لا كرهائن وإنما بوصفهم مرافقين شخصيين له في حله وترحاله، أو عاملين في القصر. تشريف للابن وتحذير للأب. الانتقاء يتم بدقة تامة. نائب رئيس أعلى مؤسسة مسئولة عن التشريع في البلد كان يوماً ما أحدهم.
رهائن الإمامة نسخة واحدة ورهائن الجمهورية نسخ متعددة: أثناء اختطاف أفراد من إحدى قبائل بني ضبيان نجل توفيق الخامري قامت الدولة بالمثل: اعتقلت، أو بالأحرى اختطفت، أكثر من 150 شخصاً ينتمون لبني ضبيان، بشكل عشوائي، بموجب البطاقة ورمت بهم في السجن. لا أدري إن كان من الممكن أن يكون أحدهم، في المستقبل، زيد مطيع دماج آخر.
معظم من اعتقلتهم الدولة لا علاقة لهم بالحادثة ولا يربطهم بالخاطفين رابط. أذكر أني تلقيت اتصالاً من أحد المعتقلين على ذمة القضية. بعد أيام زارني إلى مقر صحيفة الأهالي حاملاً ملفاً طبياً يؤكد أنه دخل صنعاء لعلاج زوجته. اقتيد للزنزانة وقضت زوجته أياماً في مستشفى السبعين لا تعرف عن بعلها شيئاً! تألمت كثيراً عند سماع القصة. لكن سعادتي كانت أكبر عندما علمت من الرجل إنه ورفاقه ذاهبون إلى منظمة هود من أجل رفع قضية ضد وزارة الداخلية: "بني ضبيان تقاضي الداخلية" تخيلته مانشيتاً في الصفحة الأولى.
اليوم جاء الدور على قبيلة أخرى. كل من كان من أبناء قبيلة السهمان يؤخذ، بشكل عشوائي، بجريرة اختطاف شقيق رئيس مجلس القضاء الأعلى عصام السماوي. وبماذا؟ بموجب البطاقة الشخصية: أيضاً وخصوصاً!
لن يكف النظام عن إهدار دم القانون. يفرغ سمومه على مواطنين أبرياء ويرسل الوسطاء، حاملين الملايين والسيارات، لإرضاء ثلة من الخاطفين وقطاع الطرق. شيء عجيب! أعجب منه أن السلطة تشتكي من جماعات مسلحة في المحافظات الجنوبية تقول إنها تعامل أبناء الشمال بحسب البطاقة! غافلةً عن سؤال عكسي لا بد من طرحه عليها: من علّم هؤلاء فرز الناس حسب البطاقة؟ أو بعبارة أوضح "هذه بضاعتكم رُدت إليكم".
إن دولة توجه الخطف بالخطف ليست بدولة. لا هي وارثة للثورة وأهدافها ولا هي ممثلة للجمهورية وقيمها! إنها دولة "مخلفات". عجبتُ لنظام يشتكي من المناطقية بينما هو يفرز مواطنيه ويعاملهم حسب البطاقة الشخصية أو وفق تقسيم وثيقة تعز عام 1964م القومية: "مطلع منزل"!

ث‌-           رفع مستوى الشعب ثقافياً: في الكم لا النوع
أيضاً ما من شك أن هذا الهدف تحقق إلى حد كبير في المجتمع اليمني إنما في الكم أكثر منه في النوع. لكن، ومن باب تشخيص الأعضاء المريضة فقط لا السليمة، أحسب أن أنساقاً ثقافية من الموروث الإمامي ما تزال معششة في الرؤوس الجمهورية. إحداها هذه:

"من أين أنت؟ من هو شيخكم؟"
صور: نائب الإمام الوزير/ أمين الريحاني/ الرئيس/ الشيخ عبدالله

عندما دخل المؤرخ اللبناني أمين الريحاني لمقابلة نائب الإمام يحي حميد الدين قدمه أحد موظفي البلاط قائلاً: "يا مولانا هذا السيد أمين الريحاني" فبشّ وجه الوزير وتبسم فور سماع كلمة السيد. لم يدرك أن كلمة السيد التي تقدمت اسم أمين الريحاني قيلت من باب الذوق الدبلوماسي ليس إلا فظن، خطأ، أنه سيد بالمعنى السلالي: أي من ذرة الإمام علي بن أبي طالب.
نتيجة سوء الفهم هذا سأل نائب الإمام ضيفه اللبناني إلى أي فرع من الشجرة العلوية ينتمي (حسني أم حُسيني)؟ فعلق جواب أمين الريحاني في حلقه تأدباً وخجلاً من أن يقول: (بل مسيحي)!
والحال هذه اليوم. ذلك أن سؤال الجمهورية من نفس طينة سؤال الإمامة. لم يسبق لي شخصياً الالتقاء برئيس الجمهورية ولا بالشيخ عبد الله يرحمه الله. غير إن من المسلم به، والمجمع عليه، أن أول سؤال ينطقه الرئيس والشيخ، كل على حدة، في لقاءاتهما الخاصة هو "من أين أنتَ؟ ومن هو شيخكم"؟
إن سؤال نائب الإمام عن النسب قبل ثورة 26 سبتمبر وسؤال الرئيس والشيخ وهما رأس النظام الجمهوري عن العشيرة يصدران، في الحقيقة، عن وعي أو نسق ثقافي واحد. لقد قامت في اليمن ثورتان تلتهما الوحدة، بديمقراطيتها وتعدديتها السياسية، غير إن الأنساق الثقافية للحقبة الإمامية لما تزل معششة في الرؤوس بسبب طول مدة حكم الإمامة.
تلك هي الحقيقة من دون مكياج. لقد قامت الثورة كعمل عسكري غير إنها لم تقم بعد كعمل ثقافي شامل يولد أنساق تفكير مغاير لدى النخبة والعامة، والحاكم والمحكوم. ما لم يستبدل سؤال "من أين أنتَ ومن هو شيخكم" بسؤال المواطنة المتساوية فإن أحداً ليس بوسعه الجزم بقيام ثورة حقيقة شاملة في اليمن.

الهدف الرابع:

إنشاء مجتمع ديمقراطي ثقافي عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف:
اليمن اليوم بلد ديمقراطي، بالتأكيد، كنظام سياسي وحرية تعبير وتعددية سياسية. لكن هل المجتمع اليمني، من الداخل، مجتمع ديمقراطي؟ ذلك أمر آخر. إلى أي مدى يمارس اليمنيون الديمقراطية وحرية الاختيار في منازلهم وعاداتهم الاجتماعية؟ الأمر بحاجة إلى تراكم ووقت وإيمان بشمولية الأهداف النبيلة.

الهدف الخامس:

العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة: بل المواطنة المتساوية هي الحل
إن كان المقصود بالوحدة الوطنية في الهدف الخامس وحدة الجغرافيا فقد والله تحققت وها هي، بعد عقدين فقط، متصدعة ومهددة. أما إن كان المقصود بالوحدة الوطنية وحدة الهوية اليمنية فذلك أعسر. إن فشل الدولة في خلق هوية جمعية مشتركة لكافة أبناء اليمن هو السبب الرئيس لنمو المشاريع الصغيرة المهددة لوحدة البلد واستقراره.
أدل دليل على فشل النظام القائم في تحقيق مواطنة متساوية وخلق هوية يمنية جامعة تذوب فيها الهويات الصغيرة هو هذه الهويات المتعددة من حولنا: الهوية الحوثية في شمال الشمال. الهوية الحاشدية المعلن عنها حديثاً بوثيقة. الهوية الجنوبية (الحراك). بل ويمكن القول أيضاً الهوية الفضلية استناداً لتصريحات طارق الفضلي عن أرضه من العلم إلى.... وهويات أخرى طور التشكل.
نومة أهل الكهف كالعادة! لم يدرك النظام الوارث للثورة والممثل للجمهورية أنه فشل في خلق هوية يمنية جامعة إلا متأخراً ولم، ولن، يقر معترفاً. ليته يدرك أن الهوية اليمنية لن تتشكل من خلال شعارات الهيئة الوطنية للتوعية وإعلاناتها. ولا من خلال سيارات تطوف الشوارع، بمكبرات الصوت، تصدع بالأغاني الوطنية. لن تتشكل هوية جامعة لليمنيين بصرف السيارات والأراضي والبقع وإنما بالعدالة والمواطنة المتساوية لا غير.

الهدف السادس:

احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم التعايش السلمي بين الأمم
ما أجمل الفقرة الأخيرة من الهدف الثوري السادس: "إقرار السلام العالمي وتدعيم التعايش السلمي بين الأمم". وكم سيكون أجمل لو استبدلت كلمة العالمي بالمحلي. وكلمة الأمم باليمنيين. فنحن والله أحوج.




ليست هناك تعليقات:

Disqus for TH3 PROFessional